نظرية التلف والاضمحلال:

تمثل هذه النظرية أقدم وأبسط المحاولات لتفسير النسيان، حيث ترى هده النظرية أن النسيان يكون نتيجة للاصطفاء التلقائي لآثار الذاكرة والذي يزداد تدريجياً وبصورة آليه مع مرور الزمن.

ويعد ثورندايك 1914 Thorndike أبرز من نادوا بهده النظرية، حيث اقترح أحد القوانين التي تيسر لنا فهم التعلم والتذكر، وهو قانون الممارسة والتكرار، فعندما يتكرر النشاط أو تعاد الخبرة من جديد فإنها تقّوى ويزداد تعلمها، ويستمر الاحتفاظ بها لمدة أطول، وعندما تترك الخبرات دون ممارسة فإنها تضعف وتضمحل تدريجياً وفي النهاية تفقد من الذاكرة.

ومن الأمثلة المزيدة لهذه النظرية نسيان المعلومات، وأسماء الأشخاص والأماكن التي انقضى على تذكرنا إياها زمناً طويلاً، ويصدق ذلك على من أجاد لغة أجنبية، قراءة وكتابة ومحادثة.

ثم تركها لفترة طويلة دون أن يمارس القراءة والحديث بها، فإنه يفقدها من الذاكرة شيئاً فشيئاً، ومع مرور الزمن يزداد ما ينساه منها ويقل ما يتذكره، ومع ذلك أن هذه النظرية لا تصدق على بعض الأحداث التي خبرناها من قديم ولا زلنا نتذكرها حتى اليوم دون أن ننساها مع مرور الزمن، في حين ننسى أحداث قريبة لم يمر عليها زمن طويل، فكثيراً منا لا يزال يتذكر أحداث من الطفولة بكل وضوح في حين أنه ينسى أحداثاً معينة أو تفاصيل معينه مرت عليه منذ وقت قريب جداً.

إن النقطة الأساسية هنا هي أنه بالرغم من أن مرور الزمن قد يؤدي إلى بعض التغيرات التي تؤدي إلى النسيان، فإن الزمن وحده لا يفسر كل ما نعرفه عن النسيان، والوقت في حد ذاته لا يمكن أن يتسبب في النسيان أكثر مما يتسبب في تآكل بناء مصنوع من الخشب.

إذاً الإنسان قد ينسى لأسباب عديدة إلى جانب الزمن منها ما يتصل بالجهاز العصبي، ومنها ما يتصل بأسلوب التعلم وطبيعة المعلومات التي نود الاحتفاظ بها.

نظرية الإحلال والتداخل:

تنطلق هذه النظرية في تفسيرها للنسيان من وجوه متعددة، يتمثل إحداها في أن بعض المعلومات لتحل محل معلومات أخرى وغالباً ما يحدث هذا في الذاكرة قصيرة المدى نظراً لسعتها المحدودة.

وهناك عامل آخر للنسيان، يعزى إلى عملية التداخل بين المعلومات الجديدة والقديمة المخزنة في الذاكرة طويلة المدى مما يعيق بعضها بعضاً من الاسترجاع.

فحسب وجهة النظر هذه، أن بعض المعلومات يصعب تذكرها، أو أن نوعاً من الإزاحة يحدث عليها نظراً لتداخلها مع معلومات أخرى، فهي ترى أنه نظراً لكثرة الخبرات التي يتعرض لها الفرد في تفاعلاته الحياتية، فإن الخبرات تتداخل معاً، الأمر الذي يعيق عملية تذكرها.

من أشهر الدراسات عن التداخل تلك الدراسة التي قام بها فنكنز ودالباخ 1964 Venknz & Dalbach، فقد طلبا من طالبين تعلم عدد من قوائم المقاطع، ثم طلبا من أحدهما الذهاب لينام مباشرة بعد عملية الحفظ، أما الطالب الآخر فقد استمر في نشاطه اليومي وبعد ساعة ثم ساعتين فأربع ثم ثماني ساعات طلب من الطالبين أن يسترجعا المادة التي سبق أن حفظاها.

في حالة الطالب الذي ذهب لينام كان يوقظ من نومه بعد مضي كل فترة من هذه الفترات المختلفة على أربع ليال مختلفة، وبعد رصد متوسط النسبة المئوية للمقاطع المنسية، تبين أن الطالب الذي ذهب لينام قد نسي في كل مرة قدراً أقل ما نسيه الطالب الآخر، ومنه توصل فنكنز و دالباخ إلى أن النسيان ليس مسألة تعود إلى عدم الاستعمال بقدر ما هو مسألة تداخل أو كف أو اعتراض للمادة القديمة عن طريق المادة الجديدة.

وأكد عدداً من العلماء الذين تبنوا هذه النظرية أن التداخل السلبي بين المعلومات بصورة عامة يأخذ أحد الشكلين الآتيين:

أ - التداخل البعدي أو الكف البعدي (تداخل المعلومات الجديدة بالمعلومات القديمة):

وهو تعطيل أو إعاقة الخبرات الجديدة وتذكر الخبرات المتعلمة سابقاً، ففي مثل هذه الحالة يصعب استدعاء الخبرات السابقة بسبب وجود خبرات أخرى جديدة تكف عملية تذكرها، فإذا تعلم الطالب درساً في الفلسفة ثم انتقل مباشرة ودون أن يأخذ فترة من الراحة إلى دراسة موضوع في الأدب، أدى ذلك إلى نسيان ما كان قد حفظه في مادة الفلسفة نقول إن هناك تداخلاً أخذ اتجاهاً راجعاً، أو امتد تأثيره نحو الخلف.

وفي هذا الإطار نجد دراسات متعددة من هذه الدراسات دراسة ميلتون Milton حيث طلب من خمس مجموعات من الأفراد أن يتعلموا قائمة من المقاطع الصماء عديمة المعنى، ويسمي هذه المرحلة (مرحلة التعلم الأصلي)، وبعد ذلك استراحت واحدة من المجموعات قبل أن يطلب منها استرجاع القائمة الأصلية، أما أفراد المجموعات الأربعة الأخرى فقد طلب منهم أن يتعلموا قائمة أخرى اعتراضية و ذلك بتكرارها (٥) و( ٢٠) و(٤٠) مرة على التوالي، هذا التعلم الثاني كان يشكل (تعلماً اعتراضياً)، وفي النهاية طلب من المجموعات الخمس أن يسترجعوا القائمة الأصلية.

وكما يتوقع بناءً على نظرية التداخل فأن المجموعات التي تعلمت القائمة الاعتراضية كانت تميل إلى أن تجد صعوبة أكبر في استرجاع القائمة الأصلية، بعكس المجموعة الأولى التي لم تتلقى أي تعلم قبل عملية الاسترجاع، وعلى العموم كان التداخل يزداد كلما زادت فترة التدريب الاعتراضي.

ب - التداخل القبلي أو الكف القبلي (تداخل المعلومات القديمة بالمعلومات الجديدة):

ويعني التأثير السلبي الناجم عن كف مادة أو نسيانها نتيجة تعلم أو تذكر مادة أو مواد معينة جاءت قبلها وسبقتها، مما يؤدي إلى عدم القدرة على استرجاع المادة المتعلمة والمدخلة أخيراً إلى الذاكرة.

فالذي تعلم الضرب على الآلة الكاتبة بشكل خاطئ منذ البداية باستخدام إصبعين فقط، نراه يصعب عليه تعلم الطباعة بشكل صحيح بسبب العادة السيئة القديمة.

ولقد تمت البرهنة على ذلك في الكثير من الدراسات، ففي تجربة قام بها أندروود طلب من مجموعة من المفحوصين حفظ قوائم متعددة مكونة من أزواج من الصفات، في البداية طلب منهم حفظ القائمة الأولى وبعد يومين من الحفظ تم اختبارهم لاسترجاع القائمة الأولى، ثم طلب منهم حفظ قائمة ثانية وبعد زمن مماثل تم اختبارهم على القائمة الثانية، ثم طلب منهم حفظ قائمة ثالثة وبعد يومين تم اختبارهم عليها، وطلب حفظ قائمة رابعة... إلخ،

وانتهت التجربة بنتائج تشير إلى أن القائمة الأولى تدخلت في تذكر القائمة الثانية، وأن القائمتين (الأولى والثانية) تداخلتا مع القائمة الثالثة... وهكذا،

ولقد توصل أندروود إلى وجود تدهور منسق في قدرة المفحوص على تذكر المواد الجديدة نتيجة لتراكم أثر التعلم الذي تم أولاً.

كما أنتهى أندروود إلى أن نسبة المادة التي يستطيع الأفراد أن يسترجعوها ترتبط بشكل كبير وواضح بكمية المعلومات التي تم حفظها سابقاً، فالتداخل اللاحق هو على الأرجح السبب الأكبر للنسيان.

و تتضح هذه الظاهرة جلياً عندما تتشابه المادة الجديدة مع أخرى سبق اختزانها في الذاكرة على حين تقل كثيراً المشكلات الناتجة عن هذه الظاهرة عندما تختلف المادة الجديدة تماماً عن المادة القديمة، و قد يكون السبب في القدرة الظاهرة للأطفال على استرجاع تفاصيل الأحداث التي نسيها آباءهم منذ وقت بعيد إلى صغر عمرهم، وبالتالي انخفاض درجة التداخل اللاحق لديهم.

وهناك طرائق متعددة للتغلب على النسيان عن طريق التداخل بين المعلومات من أبرزها:

طريقة الترميز التي تقوم على ترميز المعلومات حسب الخصائص التي تميزها عن باقي المعلومات.

كما تشير الدراسات أن النسيان أثناء النوم أبطأ من النسيان أثناء اليقظة حيث لا يوجد غالباً أثناء النوم منبهات تثير استجابات جديدة بينما يصطدم الجهاز العصبي أثناء اليقظة بوابل من المنبهات.

نظرية تغير الأثر-الجشطالت:

نظرية تغير الأثر (الجشطالت) Theory Change - Trace:

تنطلق نظرية الجشطالت في تفسيرها للنسيان من افتراض رئيسي حول الذاكرة الإنسانية مفاده أن الذاكرة تمتاز بالطبيعة الديناميكية بحيث تعمل على إعادة تنظيم محتوى الخبرات لتحقيق ما يسمى الكل الجيدو الذي يمتاز بالاتساق والتكامل ويعطي معنى معيناً أو يؤدي وظيفة ما.

وخلال عملية إعادة التنظيم لمحتوى الخبرات فإن بعض الخبرات ربما تتغير أو تفقد بعضاً منها أو أنها تدمج مع خبرات أخرى وهذا بالتالي يزيد من صعوبة عملية تذكرها.

ويرى الجشطالتيون أن التذكر إنما هو تذكر الكليات فكلما كانت الخبرات متكاملة ذات معنى كان تذكرها أيسر وأقوى أما الخبرات الناقصة و الغير ذات معنى فهي أكثر قابلية للنسيان وانتهوا من خلال نتائج تجاربهم إلى أن اكتمال الخبرات هو أساس تذكرها لأن التفاصيل تحصل على معاني من خلال الكل المتكامل أما النسيان فيزيد كلما كانت الخبرات المكتسبة ناقصة و غير كاملة لأن التفاصيل في هذه الحالة تكون موزعة ومنعزلة بحيث يمكن فقدانها بسرعة وبالتالي يكون النسيان.

وبناء على وجهة النظر هذه فإن الأثر الذي تتركه الخبرات السابقة قد يصبح بسبب عمليات التنظيم الإدراكي أكثر كمالاً وأشد اتزاناً وبذلك يفقد بعض صفاته الذاتية.

هذا التغير في الأثر هو الذي يتسبب في نسيان الشكل الأصلي فإذا كان الأثر يعاني من عدم التناسق بشكل خاص فإن الشكل النهائي له قد يجعل منه شيئاً بعيد الصلة بالمادة الأصلية والنتيجة المباشرة لذلك ستكون حدوث قدر كبير من النسيان.

ويتم كل تغيير بناء على مبدأ من المبادئ الآتية:

الإغلاق: أي الميل إلى إغلاق الشكل المفتوح.

الشكل الحسن أي الميل إلى اكمال الشكل.

التناسب أي الميل إلى توازن الشكل.

وأقدم تجربة على تغير الأثر وفق هذه النظرية كان موضوعها يتعلق بتذكر الأشكال المرئية، حيث عرض على الأفراد شكل غير متوازن.

ثم طلب منهم بعد ذلك، أن يعيدوا رسم الشكل من الذاكرة، مرات متكررة، وبعد كل مرة يعاد فيها رسم الشكل كان المجرب يختبر هذا الرسم لدراسة ما فيه من تغيير.

ومن الأمور المهمة التي ركزت عليها نظرية الجشطالت ظاهرة التنظيم، و تشير هذه الظاهرة إلى فاعلية الذاكرة و أثرها في تنظيم المعلومات المتوافرة لديها في أشكال وأنساق معينة تساعد الفرد على الاحتفاظ بها وتذكرها عند الحاجة إليها.

نظرية الفشل في الاسترجاع:

إنشاء حساب جديد

قم بتنزيل تطبيق eMufeed Android الآن

 

للاعلان