أولاً: الشد المائي Water Stress

يمثل الشد الناجم عن نقص الماء (الشد المائي أو شد الجفاف) التهديد المستمر والمتواصل لبقاء النباتات، فالعديد من النباتات التي يحصل فيها تحوير مظهري أو فزيولوجي قد لاتستطيع الإستمرار والبقاء في البيئة التي تعيش فيها بسبب الشد المائي الواقع عليها أو انخفاض محتوى رطوبة التربة. وهذا بطبيعة الحال يرتبط بالظروف الجوية السائدة (قلة الأمطار وارتفاع درجة الحرارة وزيادة سرعة الرياح وانخفاض الرطوبة النسبية في الجو…الخ)، فيعرَف جفاف التربة بأنه النقص في ماء التربة اللازم إلى الحد الذي تقل فيه جاهزيته للنبات (أي العتبة التي لايستطيع النبات عندها امتصاص أو استنزاف الماء بالسرعة التي تلبي متطلباته للقيام بالفعاليات الحيوية ولا يحدث التمثيل الضوئي الذي يلبي متطلبات التبخر – النتح Evapotranspiration. وبالمقابل، ربما يكون الشد المائي نتيجة زيادة الماء. ومن الأمثلة على الشد نتيجة زيادة الماء هو التغدق Flooding الذي ينجم عنه الإختناق نتيجة انخفاض تركيز الأكسجين المتاح للجذور والذي سيؤدي بدوره إلى إعاقة التنفس. على العموم، فإن الشد نتيجة نقص الماء هو الأكثر شيوعاً، مما جعل المختصين بتسميته “شد نقص الماء Water Deficit Stress. وبسبب أن شد الماء يحصل في البيئات الطبيعية نتيجة انحباس الأمطار، فإن مثل هذه الظروف تعرف على أنها ظروف الجفاف وبالتالي يصطلح عليه شد الجفاف Drought Stress (الشكل1). في ظروف المختبر، يمكن تحقيق ظروف الشد المائي من خلال فقد الماء بالنتح من الأوراق وهو ظرف يعود إلى ما يصطلح عليه بتعديل الشد أو شد التجفيف Desiccation Stress. أي بمعنى أن الشد المائي هو أحد مكوني الشد الملحي والشد الأسموزي، ولأجل توحيد هذه الإختلافات وفق مفهوم الشد المائي فإنه يصطلح مفهوم الجهد المائي الواطيء Low Water Potential.

الأغشية والشد المائي Membrane and Water Stress

إن الضرر الناتج عن تأثير الشد المائي يرتبط بتأثيرات محددة تتعلق بتعديل (تغير حالة) البروتوبلازم. إن انخفاض محتوى البروتوبلازم من الماء، على سبيل المثال، سيؤدي إلى زيادة تركيز المواد الذائبة فيها وفق حجم البروتوبلازم مما يؤدي إلى حصول الإنكماش والتجعد والذي له عوارض خطيرة على سلسلة العمليات الحيوية في الخلية الحية. تتأثر سلامة الأغشية والبروتينات أيضاً والتي بدورها تؤدي إلى حصول الإختلال الوظيفي في العمليات الحيوية.

على الرغم من عدم معرفة مسببات ضرر الأغشية بشكل تام وواضح، فإنه من البديهي بأن إزالة الماء ستؤدي إلى تمزق تركيب الطبقة الثنائية bilayer وإن القنوات التي يدخل منها الماء ستمتليء بالمجاميع الرئيسة للفوسفولبيدات القطبية. أي بمعنى، ستصبح الأغشية منفذة للسوائل عندما يتم تعديلها. عند حصول التميؤ، ستبقى هذه القنوات تقدم كميات كبيرة من الذائبات الراشحة بين الفجوات أو من الخلية إلى المسافات البينية بين الخلايا، فالشد ضمن هذه الطبقة الثنائية سيجعل الليبيدات تحل محل بروتينات الأغشية مما يؤدي إلى تسرب المواد الذائبة Solute Leakage وتساهم بالتالي في فقد صفة الإنتخابية لهذه الأغشية. على العموم، فإن تشقق الأغشية وانفتاح الخلايا على بعضها ثم فقد كفاءتها يعتمد على نشاط أنزيمي معين، فضلاً عن تلف وتضرر الأغشية الخلوية. أوضحت العديد من الدراسات حصول الفقد في كفاءة العصارة الخلوية وبروتينات مكونات الخلية إلى الحد الذي يجعلها في غير طبيعتها الحيوية بالكامل عند عودة الظروف الطبيعية من حيث وفرة الماء.

التمثيل الضوئي والشد المائي Photosynthesis and Water Stress

تعد عملية التمثيل الضوئي من العمليات الحساسة للشد المائي، فتتأثر هذه العملية من خلال طريقتين: الأولى، انغلاق الثغور والتأثير على الكلوروبلاست من حيث تجهيز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، والثاني هي التأثيرات المباشرة لانخفاض جهد ماء الخلية وانعكاسه على مكوناتها وسلامة وظائفها الضرورية في استمرار آلية التمثيل الضوئي.

هناك تأثيرات مباشرة لجهد الماء داخل الخلية على التمثيل الضوئي أوضحتها الدراسات الموسعة حول البلاستيدات (الكلوروبلاست) المعزوله من أوراق زهرة الشمس (Rao et al., 1987)، بسبب التأثيرات المباشرة على فعالية التمثيل الضوئي لنقصان ثاني أكسيد الكربون داخل الكلوروبلاست نتيجة غلق الثغور والتي تبين من الدراسة بأن تأثيراتها كانت ثانوية، حيث تبقى نسبة ثاني أكسيد الكربون داخل الورقة عالية نسبياً. وعليه، فإن كل من فعالية نقل الإلكترون والتمثيل الضوئي قد انخفضت في الكلوروبلاست المعزول من أوراق زهرة الشمس بجهد مائي أقل من (0.1- ميغاباسكال). هذه التأثيرات انعكست على تقليل الضرر الحاصل في الأغشية وتخليق الطاقة لأنزيم البروتين. والأكثر من ذلك، أن تأثيرات التثبيط الناجمة عن انخفاض الجهد المائي قد ازدادت بوساطة التراكيز العالية للمغنيزيوم التي تشبه في تأثيراتها حدوث تميه الأواراق، وأكدته دراسة (Raven et al., 2014).

استجابة الثغور لنقص الماء Stomatal Responses to Water Deficit

غالباً ما تتعرض النباتات إلى نقص الماء الحاد بسبب انخفاض الرطوبة النسبية بدرجة كبيرة و/ أو نتيجة زيادة درجات الحرارة الناجمة عن حركة الرياح الجافة الدافئة إلى البيئة التي يعيش فيها هذا النبات أو ذاك. فتكون النتيجة الزيادة الكبيرة في ضغط التبخر الذي يتدرج بين خلايا الأوراق والهواء في المحيط الخارجي فيزداد معدل النتح. إن أي زيادة في ضغط التبخر سوف تؤدي إلى تسريع جفاف التربة، وإن كتلة الهواء الجاف التي تحيط بالنبات ستؤدي إلى سحب الماء من النباتات التي تكون جذورها سطحية.

على العموم، تكون استجابة النبات لنقص الماء الشديد من خلال غلق الثغور لأجل تقليل النتح وفقدان الماء من سطوح الأوراق بالمستوى الذي يسمح بإعادة تجهيز نفس المستوى المفقود من الماء وعن طريق الجذور. هذا الحال يلاحظ في كل النباتات على السواء. سواءً كانت النباتات الصحراوية أو نباتات المناطق المعتدلة أو الجافة، حيث تكون آلية فتح وغلق الثغور معتمدة كلياً على الرطوبة النسبية (Mansfield and Alkinson, 1990). يفهم من ذلك بأن أي تغيير في محتوى التربة من الماء يرتبط بعملية النتح لا محال، فتعمل الثغور، التي تسيطر على النتح، على توفير آلية لحماية النبات من أي نقص في المحتوى أو المخزون المائي: 1) تغلق الثغور بنسبة معينة تعتمد على نسبة نقصان الماء في التربة. 2) تغلق بعض الأنواع النباتية ثغورها بالكامل وأكثر من غيرها من الأنواع النباتية، وخصوصاً عند تطور نقص ماء التربة. 3) إن الثغور في بعض الأنواع لا تقوم بعملية النتح حتى بعد ري التربة أي إعادة الترطيب (Kramer and Sanchez, 1971) ربما تختلف هذه المفاهيم نسبياً عند التطرق إلى نباتات رباعية الكاربون (C4) أو النباتات العصارية التي تختزن الماء في الأوراق المحوّرة كما في الصباريات.

لسوء الحظ، في الكثير من الأنواع النباتية وخصوصاً المحاصيل الغذائية، تكون خلايا البشرة المحيطة وسطح الخلايا الحارسة غير محمية بطبقة سميكة من الكيوتكل، فيحدث فقد الماء بصورة مباشرة من الخلايا الحارسة إلى الغلاف الجوي. فإذا كان معدل كمية الماء المتبخر من سطوح الخلايا الحارسة أكبر من كميته التي تعوضها خلايا الميزوفيل التي تحت خلايا البشرة، فإن الخلايا الحارسة ستصبح رخوة flaccid وتغلق الفتحة الثغرية. أي بمعنى أن الخلايا الحارسة تعمل كما لو كانت مقياس أسموزي أي تنافذي osmometer. يتم تنظيم عملية غلق الثغور بما يسمى بالنشاط الهيدروري hydroactive processes. أي أن العمليات الحيوية لهذا الإنغلاق الثغري يعتمد على ويستخدم في الأساس الإشارات الأيونية العكسية التي تسبب فتح الثغور. فيحصل التنبيه بغلق الثغور عند انخفاض جهد ماء الورقة في خلايا الميزوفيل فتظهر علامات استخدام حامض الأبسيسك ABA والهرمونات الأخرى.

دور الهرمونات النباتية خلال مرحلة الشد:

تم اقتراح حمض Abscisic (ABA) للعب دور مهم في استجابة ظروف الإجهاد و / أو التكيف(Sharma et al., 2005). كما يلعب دوراً ABA كمنظم للإشارات الجينات المستجيبة للملوحة تحت ظروف salt-responsive-genes الملوحة (Narusaka et a,l. 2003). ويلعب دوراً هاماً خلال العديد مراحل دورة حياة النبات، بما في ذلك نمو البذور والسكون، ويلعب دور وسيط في تفاعلات استجابة النبات لمختلف الضغوط البيئية. غالباً ما يعتبر ABA هرمون الإجهاد وهو محفز للإشارة الداخلية الرئيسية التي تمّكن النباتات من البقاء في الظروف البيئية المعاكسة، لأن الضغوط المختلفة على النبات تجعله محفزاً لتشكيل ABA. يلعب دوراً مهماً في تنظيم حالة النبات ومحتواه من الماء، من خلال تنظيم عمل الخلايا الحارسة وكذلك عن طريق تحريض الجينات. ومن المعروف أن الملوحة تحدث زيادة نسبية في تركيز ABA الذي يرتبط عادة برطوبة الأوراق أو التربة. بينما لوحظ زيادة تركيز ABA في الجذور عندما تواصل تلك الجذور نموها، مما يوحي بأن هذه الأنسجة قد يكون لها استجابات مختلفة لـ ABA.

إن تغيرات الأس الهيدروجيني تلعب دورًا رئيساً في إعادة توزيع ABA في أنسجة الأوراق والتحكم في الثغور في الأوقات التي لا يتم فيها الكشف عن تغييرات كبيرة في تركيز ABA في نسيج الخشب Hartung et al. (2002). ينظم ABA بالإضافة مع الهرمونات النباتية الأخرى التحكم في نمو الجذور، ويؤدي فهم الإجهاد إلى معرفة الجينات والبروتينات المستجيبة بالإضافة إلى تراكم المواد الذائبة نتيجة حالة الشد الحاصلة، يعتبر التراكم السريع والكبير لـ ABA عند الشد بالملوحة محوريًا لآليات وقاية النبات (Shakirova et al. 2010)، ويتزامن ذلك مع إفراز الجينات المبكرة التي يسببها تراكم الملح في الجذور، الدور السهل لحمض ABA الناجم عن الملوحة في تقييد Na+ و Cl-1 في الأوراق، كما يمكن لـ ABA الحد من النتح وخسارة الماء الناتجة عن طريق تنظيم عمل الثغور.

إنشاء حساب جديد

قم بتنزيل تطبيق eMufeed Android الآن