الشلل الدماغي (داء ليتل):

الشلل الدماغي هو من الحالات المعروفة المسببة لاضطراب التطور العصبي عند الأطفال، أحد التعريفات الكلاسيكية والمستخدمة بشكل واسع تعرف الشلل الدماغي بأنه المتلازمة السريرية الناجمة عن آفة ثابتة (غير متغيرة مع الزمن) في الدماغ غير الناضج والتي تتظاهر سريرياً بشكل أساسي باضطراب الحركة والوضعية.

يصف الشلل الدماغي مجموعة من اضطرابات تطور الحركة والوضعية، مسببةً تحدد في الفعالية والتي هي ناجمة عن آفة غير مترقية تصيب الدماغ في طور التكون في المرحلة الجنينية أو في مرحلة الطفولة.

كثيراً ما تترافق الاضطرابات الحركية للشلل الدماغي مع اضطرابات أخرى في الحس والمقدرات الإدراكية والتواصل والمشاعر واضطراب في السلوك بالإضافة إلى التظاهرات الصرعية.

اعتماداً على هذا التعريف فإن المعيار المقبول للدماغ غير الناضج هو دماغ الطفل بعمر أصغر من 4 سنوات، لهذا فإن أي طفل مصاب بآفة ثابتة، غير متغيرة مع الزمن، (مثل أذية الدماغ الرضية، عقابيل التهاب السحايا) قبل عمر 4 سنوات يحقق شروط تعريف الشلل الدماغي، أي ليس فقط الآفات الخلقية أو التي تحدث في مرحلة الوليد (الأسابيع الأربعة الأولى من الحياة).

تختلف شدة الاضطراب العصبي المشاهد بشكل واسع باختلاف الأسباب حتى من طفل إلى آخر، يفضل بعض المؤرخون استخدام عبارة الشلل الدماغي فقط للحالات الناجمة عن أذية حدثت في المرحلة الجنينية وخلال الولادة أو في مرحلة الوليد بينما يستخدمون عبارة اعتلال الدماغ المستقر أو الثابت (أي لا يتغير مع الزمن) للآفات التي تحدث في مرحلة الطفولة مسببة التظاهرات السريرية التي تشبه الشلل الدماغي (رضوض الدماغ، عقابيل التهاب السحايا).

الأسباب:

مع تقدم العناية بالوليد بما فيها العناية المشدد لوحظ سابقاً تناقص نسبة الوفيات بين الخدج ذوي وزن الولادة المنخفض لكن بالمقابل كان هناك زيادة في حالات الشلل الدماغي، بينت مراقبة الشلل الدماغي في أوربا تناقص تواتر الشلل الدماغي حيث أن معدل حدوث الشلل الدماغي بين الخدج بعمر حمل أقل من 32 أسبوع ووزن الولادة منخفض هبط من 60,6 إلى 39,5 لكل 1000 ولادة على كل حال مع ازدياد نسبة الولدان الخدج الباقين على الحياة بالإضافة إلى المعدل الثابت للشلل الدماغي عند الولدان في تمام الحمل وتحسن الأعمار عند المرضى لذا فإن معدل انتشار الشلل الدماغي في المجتمع قد ازداد، يتراوح معدل حدوث الشلل الدماغي من 2 إلى 3 حالات لكل 1000 ولادة.

يمكن أن تؤدي العديد من العوامل إلى الشلل الدماغي التي يمكن أن تحدث في المرحلة ما قبل الولادة، أثناء الولادة أو حتى فترة ما بعد الولادة، قد يكون من الصعب معرفة سبب الشلل الدماغي عند الطفل الذي ولد بعد أن أتم عمر حمل طبيعي ولم يلاحظ أي من مرض أثناء الحمل، لا نجد في جميع الحالات قصة صعوبة في المخاض أو الوهط الدوراني التنفسي في مرحلة ما حول الولادة، قد يحدث التفاف الحبل السري حول عنق الجنين أثناء المخاض بدون أن يسبب مشاكل لكنه في حالات استثنائية قد يؤدي إلى اعتلال الدماغ بنقص الأكسجة وبالتالي الإصابة بالشلل الدماغي.

يمكن للأخماج الفيروسية أن تسبب فشلاً في تطور دماغ الجنين لكن ولا في أي حالة تقريباً تم إثبات العلاقة بين الخمج الفيروسي والشلل الدماغي عند مريض بالذات.

على كلٍ في بعض الحالات، قد يكون هناك قصة لتعاطي المخدرات، التدخين أو الكوكائين وفي حالات أخرى قد نجد في قصة الحمل قصور في المشيمة وفي بعض الحالات يمكن التعرف على اضطراب محدد يصيب تطور الدماغ، من الأخماج المتهمة بحدوث متلازمة تشبه الشلل الدماغي: المتقوسات القتدية Toxoplasmosis، الداء الزهري Syphilis، الحصبة الألمانية Rubella، فيروس الاندخالات الخلوية العرطلة Cytomegalovirus أو الحلأ Herpes.

نلاحظ عند المريض في معظم هذه الحالات التشوهات الوجهية الوصفية مع الآفات العينية والأذنية المرافقة بالإضافة إلى صغر الرأس أو التكلسات الدماغية المشاهدة بواسطة التصوير الطبقي المحوري.

يمكن للتصوير بالرنين المغناطيسي أن يكشف على التشوهات الدماغية مثل: غياب التلافيف الدماغية Lissencephaly أو غياب فص أو جزء من الفصوص الدماغية التي تسبب في الكثير من الحالات تأخر التطور الحركي والصلابة، يكون عند الكثير من هؤلاء المرضى صغر في الرأس ومنظر للوجه شاذ بالإضافة للصرع.

نستطيع فهم سبب الشلل الدماغي بشكل أسهل عند الأطفال المولودين قبل تمام الحمل (الخدج) أو الأطفال الموضوعين على جهاز التهوية الآلية في وحدات العناية المشددة للوليد، المظهر النموذجي بتصوير الدماغ هو تلين المادة البيضاء المحيطة بالبطينات الدماغية Periventricular Leukomalacia (PLV)، الناجم عن أذية المادة الدماغية البيضاء المجاورة لبطينات الدماغ الجانبية، تحتوي المادة البيضاء المجاورة للبطينات على المحاور القشرية القادمة من العصبون الحركي العلوي والمتجهة إلى النخاع الشوكي القطني، حيث تتشابك المحاور مع العصبون الحركي السفلي المسؤول عن التعصيب الحركي للأطراف السفلية ولهذا فإن اضطراب الحركة والصلابة في الأطراف السفلية هو نتيجة وصفية لتلين المادة الدماغية البيضاء حول البطينات.

التظاهرات السريرية:

1- التظاهرات العصبية:

يمكن أن تصنف المتلازمة عصبياً إلى ثلاثة أنماط: التصلبي أو التشنجي Spastic (إصابة الجملة الهرمية) وعسر الحركة Dyskinetic (خراج هرمي) والمختلط ويمكن أن نقسم أيضاً المجموعة التي تعاني من الصلابة حسب منطقة الجسم المصابة شلل طرف وحيد Monoplegia، شلل ثنائي Diplegia (هنا يصيب الطرفين السفليين معاً)، شلل ثلاثي Triplegia (يصاب ثلاثة أطراف)، شلل رباعي Quadriplegia (تصاب الأطراف الأربعة) والشلل الشقي Hemiplegia.

يعرف الشلل التشنجي Spastic Cerebral Palsy بأنه الخزل المترافق مع الصلابة والتقلصات غير الإرادية التي تصيب العضلات في الأطراف، والتي يمكنها أن تؤدي إلى مشية المقص Scissor Gait (وذلك بسبب تقريب الطرقين السفليين مع بسط الركبة والعطف الأخمصي للقدم أثناء المشي).

تتضمن الأنماط التي تتميز بعسر الحركة على: الشلل الدماغي الكنعي Athetiod Cerebral Palsy التي تتصف بالحركات الالتوائية غير الإرادية التي يمكن أن تترافق مع التكشير وحركات اللسان الشاذة والإلعاب.

وشلل الدماغ الرنحي Ataxic Cerebral Palsy حيث نشاهد هنا اضطراب التوازن وتنسيق الحركة وذلك أثناء الوقوف أو المشي.

على الرغم من أن الآفة الدماغية المسببة للشلل الدماغي هي آفة غير مترقية بحد ذاتها، إلا أنه من الشائع مشاهدة تدهور في الحالة الوظيفية للمريض مع تقدم العمر بسبب زيادة الصلابة العضلية مع النمو، الأمر الذي يزيد من الانكماشات العضلية ومن الآلام العضلية المزمنة في معظم الحالات.

يعيش حوالي 95% من المرضى المصابين بالشلل المزدوج حتى عمر الثلاثين بينما يعيش 75% من الأطفال المصابين بالشلل الرباعي حتى عمر ثلاثين سنة، وجد بأن نقص المهارات الأساسية (الطعام والتنقل) هو مشعر لقصر العمر، وجدت إحدى الدراسات بأن الكهول المصابين بالشلل الدماغي يتعرضون لوفيات أكثر من المتوقع من آفات القلب الإقفارية والسرطانات والنشبات الدماغية، اتهمت عوامل متعددة غير العلاقة المباشرة بالشلل الدماغي مثل نقص العناية بالمرضى المصابين بالشلل الدماغي المتعرضين لهذه الأمراض بالإضافة إلى غياب التشخيص المبكر لها.

إن العناية الواعية للمريض الكهل المصاب بالشلل الدماغي هي معقدة وتحتاج إلى تقييم دوري بواسطة فريق من الأطباء متعدد الكفاءات، والمعالجين الفيزيائيين بالإضافة إلى الموظفين الاجتماعيين.

المتلازمة السريرية النموذجية المشاهدة في تلين المادة البيضاء المحيطة بالبطينات الدماغية هي الشلل النصفي التشنجي، في الحالات الطفيفة قد لا يشكو المريض من أي عرض سوى بأن وتر آشيل متوتر أكثر من الطبيعي، قد يعيق وتر الكعب المشدود (وتر آشيل) من العطف الظهري للقدم وبالتالي زلة القدم والسقوط، يمشي هؤلاء الأطفال على رؤوس الأصابع ولا يستطيعون المشي على الكعبين وبعضهم يتأخر بتعلم المشي.

بالفحص السريري نلاحظ بأنه الطفل لا يستطيع القيام بالعطف الظهري للقدم لأكثر من زاوية 90 درجة. بالفحص نلاحظ بالقرع على وتر آشيل مع المحافظة على وضعية القدم بالعطف الظهري الحركات الرمعية. يمكن أن نشاهد المشي على رؤوس الأباخس عند الأطفال في بداية تعلم المشي بدون أي اضطراب عصبي آخر ويكون هنا عابر بحيث أن الطفل يتعلم المشي بشكل طبيعي مع تقدم العمر، لهذا لا ينصح باستقصاء الأطفال الذين يمشون على رؤوس الأباخس بعمر أقل من سنة ونصف بدون ملامح سريرية أخرى ويكتفى بمراقبتهم.

فرط توتر العضلات المقربة للفخذ هو من المظاهر الشائعة في الإصابة بالشلل المزدوج التشنجي، قد يلاحظ الفاحص في هذه الحالات منعكس تقريب الفخذين بشكل متصالب وذلك بتنبيه السطح الأنسي للفخذ بواسطة مطرقة المنعكسات، يلاحظ أيضاً امتداد جواب المنعكسات الوترية فعندما نضرب المطرقة وتر عضلة نلاحظ أن ردة فعل المنعكس تشمل كامل الطرف، عندما يترافق توتر وتر آشيل مع زيادة مقوية العضلات المقربة للفخذ هنا ينتقل المريض بمشية قوسية (مشية المقص) كما أن بعض المجموعات العضلية في الطرف السفلي تصاب بصلابة أشد من بقية العضلات وبالتالي يظهر تحديد أكثر للمشية، يتطور في العديد من الحالات تحدد في المفاصل مسبباً زيادة في عجز المريض.

بشكل نموذجي يتطور عن المرضى المصابين بالشلل الدماغي والمولودين بتمام الحمل الصلابة في الأطراف الأربعة، يظهر التصوير بالرنين المغناطيسي ضعف في إشارة المادة الدماغية البيضاء مع ضمور قشر الدماغ وفي الحالات الشديدة إحتشاءات دماغية متعددة، لن يمشي الكثير الكثير من هؤلاء المرضى أبداً، وتجعل صلابة الأطراف العلوية استخدام الأيدي أمراً صعباً لديهم ويتطور عند معظمهم تليف هام في محافظ المفاصل مع نمو المرضى المصابين بالشلل الدماغي، تستمر نقص مقوية الجذع في أكثر الحالات حتى عند أولئك المرضى المصابين بصلابة مترقية في الأطراف.

ليس من النادر مشاهدة طفل أو مراهق مصاب بصلابة مع تحدد في حركات مفاصل الأطراف وبالمقابل عنده نقص مقوية في الجذع بحيث لا يستطيع الجلوس بشكل منتصب في كرسيه المتحرك.

2-التظاهرات في الجهاز العضلي الهيكلي والألم:

إنشاء حساب جديد

قم بتنزيل تطبيق eMufeed Android الآن