&يتجسّد أوج حضارة بلاد الرافدين في بناء المدن وتطوّرها في وسط منطقة زراعية لتُشكّل المركز الذي يتبلور فيه المجتمع المدني الذي يتميّز بتعدّد المهن والحرف . هذه المدن هي مركز ديني وسياسي وإداري وسوق تجاري ومقر للحرف والمهن المختلفة ، إضافة إلى كونها عُقدة مواصلات تلتقي فيها طرق هامة تجعلها مركزاً للتجارة مع المدن والممالك المجاورة . كانت هذه المدن تحمي نفسها ضدّ الأخطار الخارجية المتزايدة ببناء أسوار تحيط بها . وتُعدّ أول الأمثلة على هذه المدن مدينة أريحا (Jericho) في فلسطين ومدينة كاتال هويوك (Katal Huyuk) في الأناضول وكلاهما تعودان إلى حوالي عام 6000ق.م.&

&تركّز بناء المدن في منطقة بلاد الرافدين في ثلاث مناطق رئيسية هي المناطق التي سكنت فيها الشعوب التي تمكنت من إنشاء حضارات متميّزة في هذه المنطقة .&

&المجموعة الجنوبية تضم مُدن أور (Ur) ، ايريدو (Eridu) ، أوروك (Uruk) ، نيبور (Nippur) ، لاغاش (Lagash) ، ولارسا (Larsa) . وهي أقدم المدن والمراكز الدينية التي أنشأها السومريون وحوّلوها إلى مراكز لممالك المدن .&

&المجموعة الوسطى وتضم مدن كيش (Kish) ، سيبار (Sippar) ، أكاد (Akkad) ، ماري (Mari) ، بورسيبا (Borsippa) ، وبابل (Babylon) وتشكّل مركز الحضارتين الأكّادية والبابلية .&

&والمجموعة الشمالية في أعلى نهر دجلة حيث تمركزت الحضارة الآشورية بعواصمها آشور (Assur) ، نينوى (Ninive) ، كلخ (Kalach) المعروفة أيضاً بنمرود (Nimrud) ، إضافة إلى دورشاروكين (Dur Sharrukin) .&

*المدن السومرية*

المدن السومرية من نموذج مدينة المعبد ، وهي على ما يبدو من نماذج المدن القديمة جدّاً . إذ يُحيط المدينة على الأغلب سور بيضوي الشكل مُدعّم بأبراج وتحيط به أقنية مائية . أمّا داخل المدينة فنجد شبكة من الشوارع والأزقّة المتعرّجة التي لا تتبع نظاماً معيّناً تتوزّع على الأحياء السكنية المختلفة ، يتشكّل مركز المدينة من مجموعة من المباني الدينية والقصور التي تختلف بشكلها المستطيل عن شكل المدينة الخارجي المحيط بها . هذه المباني متوازية أي أنّها تتبع نفس التوجيه بالنسبة للاتجاهات السماوية ولكنها غير واقعة على محاور واحدة .&

image-20200116173513-1

 تصوّر تخيّلي للمدن السومرية 

&هذا النظام يُسهّل إضافة أبنية جديدة إلى المجموعة . أما العنصر البارز المسيطر على هذه المجموعة المعمارية فهو مبنى عالٍ متدرّج يُسمّى الزيقورة (Zikkurat) .&

&أشهر مثال على ذلك مدينة أور في عهد السلالة الثالثة أي في عهد الدولة السومرية الحديثة (حوالي 2130 – 2015ق.م) هي مدينة من هذا النموذج البيضوي تقع عند نقطة التقاء نهري دجلة والفرات ممّا جعلها مركزاً تجارياً هاماً . سورها مُحاط بنهر الفرات وأقنيته . كان للمدينة ميناءان أحدهما شمالي والآخر غربي ، موقعهما مرتبط بالتجارة الخارجية والداخلية . يتوسّط الأحياء السكنية ذات التنظيم العفوي الأبنية العامة والدينية وتشمل زيقورة أور ، المعروفة بزيقورة إله القمر نانا . ولا يوجد ضمن المدينة أبنية كبيرة غيرها سوى معبد اينكي (Enki-Temple) والقصر الواقع قرب الميناء الشمالي .&

image-20200116173513-2

مخطّط لمدينة أور

 

 

&اتبّع الآشوريين تخطيطاً للمدن أكثر انتظاماً من تخطيط المدن السومرية . السبب في ذلك هو التنظيم العسكري الصارم للدولة الآشورية . المدن القديمة تتبع المعطيات الطبيعيّة والتضاريس في المنطقة التي أقيمت بها . وغالباً ما تتوضّع الأبنية الحكوميّة على شكل مجموعة متراكمة على طرف المدينة بحيث ترتبط بسور المدينة وبالقنوات المائية المحيطة . وتُعتبر مجموعة القصور والمعابد التي تمّ بناؤها وإعادة بنائها مرات متعدّدة على الضفّة الشمالية من مدينة آشور خير مثال على هذه الفكرة .&

عند إعادة بناء مدينة دور شاروكين (Dur Sharrukin) ، التي تقع على ضفاف نهر دجلة شمال بلاد الرافدين ، حاول صارغون الثاني بناء المدينة المثالية لتكون عاصمة لإمبراطورية عُظمى ، الشكل الخارجي للمدينة عبارة عن مستطيل طول ضلعه (1700 x 1800م) . موقع بوابات المدينة ضمن السور يدلّ على وجود شبكة من الشوارع المتعامدة . كان في المدينة مجموعتان من المباني الحكومية والدينية موزّعة على الأطراف . في الشمال الغربي يقع ما يُسمّى بقلعة صارغون الثاني ، المكوّنة من قصور ومعابد وزيقورات . هذا القصر يتجاوز سور المدينة على هيئة مبنى مُحصّن . ويُقابله قصر ولي العهد في جنوب المدينة ، وهو مُرتبط بمخزن الأسلحة . هاتان المجموعتان من الأبنية تُسيطران بموقعهما على المدينة وعلى المناطق المحيطة بها . تمتد بينهما شبكة شوارع المدينة وأحياؤها ، إضافة إلى السوق المركزي . إنّ اعتماد مبدأ الشوارع المستقيمة والمتعامدة يُشكّل بدايات تخطيط المدن المنتظم .&

image-20200116173721-3

مخطّط لمدينة دور شاروكين

Create new account

Download eMufeed Android Application Now

 

للاعلان