لكل علم من العلوم موضوع خاص يتخذه محور دراسته فعلم الفيزياء درس خواص المادة وخواص الطاقة بمختلف صورها وتحول بعضها إلى بعض.
وعلم الكيمياء يدرس تركيب المواد المختلفة وتفاعل بعضها مع بعض وعلم الاحياء أو البيولوجيا يدرس تكوين الكائنات الحية ونشاطها ونموها وتكيفها للبيئة التي تعيش فيها.
وعلم الاجتماع يدرس حياة الجماعة ومشاكلها ومختلف ضروب التنظيم الاجتماعي فيها.
أما علم النفس فمن الغريب أنه لا يوجد لدينا حتى اليوم تعريف واحد له يجمع عليه كل الباحثون في هذا العالم أو أكثرهم وذلك لأنه كان إلى عهد قريب فرعاً من الفلسفة ينقاد لطريقتها في البحث ويدرس موضوعات أكثرها ذو طابع فلسفي صريح أي لا تدخل في نطاق العلم بمعناه الحديث.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فقد تعرض علم النفس أثناء نموه وتطوره كما سنرى لمؤثرات عدة من العلوم الطبيعية على اختلافها جعلت من علماء النفس يختلفون في وجهات نظرهم إلى طبيعة الظاهر النفسية وتأويلها.
التعاريف المعروفة لعلم النفس
- العلم الذي يدرس الحياة النفسية وما تتضمنه من أفكار ومشاعر وإحساسات وميول ورغبات وذكريات وانفعالات.
- أنه العلم الذي يدرس سلوك الإنسان أي ما يصدر عنه من أفعال وأقوال وحركات ظاهرة.
- أنه العلم الذي يدرس أوجه نشاط الإنسان وهو يتفاعل مع بيئته ويتكيف لها.
وقد يبدو أن هذه التعاريف متناقضة وأنها تدرس ظواهر يختلف بعضها عن بعض اختلافاً جوهرياً غير أنها في الواقع تعاريف متكاملة كما سيتضح لنا من شرح التعريف الثالث من هذه التعاريف كما يلي
تفاعل الإنسان وبيئته: يعيش الإنسان في بيئة من الناس والأشياء وهو يسعى فيها ويكد للظفر بطعامه وكساءه و مائه و لإرضاء حاجاته المادية والمعنوية المختلفة ولبلوغ أهداف يرسمها لنفسه ويراها جديرة بما يبذله في سبيلها من مشقة وعناء.
وهو في سعي هذا لقضاء حاجاته وتحقيق أغراضه يلقي موانع وعقبات ومشاكل وصعوبات مادية واجتماعية كثيره ويجد نفسه على الدوام مضطراً إلى التوفيق بين مطالبه وإمكانات البيئة.
وإلى تعديل سلوكه حتى يتلاءم مع ما يعرض له من ظروف أحداث ومواقف جديدة أو عسيرة أو غير منتظرة.
وذلك عن طريق التفكير والتقدير واستخدام ذكائه وابتكار طرق جديده أو تعلم طرق جديده للسلوك يستعين بها على حل ما يلقاه من مشكلات.
كما يجد نفسه مضطراً إلى التقيد أو الامتثال لما تفرضه عليه البيئة وخاصة البيئة الاجتماعية من قيود والتزامات.
أو ينزع إلى تهذيب بعض ما بهذه البيئة وتغييره وتبديله.
بل أنه يرى نفسه في كثير من الأحيان مرغماً على أن يرجئ إرضاء حاجاته ومطالبه العاجلة في سبيل تحقيق أغراض وأهداف آجلة.
أو عليه أن يصبر ويحتمل الألم أو عليه أن يلجأ إلى أساليب وحيل ملتويه شتى ابتغاء إرضاء هذه الحاجات وبلوغ هذه الأهداف.
ولا يخفى أنه في سعيه هذا أي في تعامله مع البيئة وتفاعله معها معرض أبدا لضروب من الشد و الجذب و الركز و الوثب و الرضا و السخط و الغضب والخوف و الحب و الكره والإقدام والإحجام والنجاح والإخفاق تحمله على المضي في نشاط معين أو كف نفسه عن هذا النشاط.
إن هذه البيئة التي يضطرب فيها الإنسان ليست شيئاً سلبياً تسمح له أن يصنع بها ما يريد متى أراد , بل أنها تقاومه وتستفزه وتؤثر فيه.
كما أنه لا يقف منها كما رأينا موقفا سلبياً فينتظر حتى تقدم له ما يحتاج إليه بل إنه يواجهها ويقاومها ويتحداها ويجهد في استغلالها والاشتراك في ميادين نشاطها والتأثير فيها باللين تارةً وبالعنف طوراً.
ولا بد له في هذا الكفاح من قدره على المرونة والصلابة والاحتمال وإلا هلك.
وبعبارة أخرى