ملخص:
من المعروف أن المطر لا يثير الخوف في نفس الطفل الصغير لكن الرعد يثيره على أن ارتباط المطر بالرعد يجعل المطر مثيراً مخيفاً والأصل أن زيت الخروع لا يصير فينا النفور والتقزز إلا إذا وضع في الفم غير أننا عن طريق عملية الترابط نتقزز من مجرد رؤيته أو سماع اسمه.
والشخص المعرض لدوار البحر قد يصيبه الدوار قبل أن تقلع السفينة.
ومن المعروف أن الرضيع يقوم بحركات امتصاص إن مس شفتيه ثدي أمه أما رؤية الثدي فلا تثير فيه هذه الحركات ولكن ارتباط إثارة الفم برؤية الثدي أو زجاجة اللبن تجعله يتمصص قبل أن يوضع الثدي في فمه.
والطفل عند ذهابه إلى عيادة الطبيب لأخذ حقنة في ذراعه يذهب في المرة الأولى فرحان جداً وهو في ذهول واطمئنان.
حتى إذا وخزته الإبرة صاح وانسحب ولكن بعد ذلك يصرخ وينسحب لمجرد رؤية الإبرة ثم لمجرد رؤية الطبيب ثم لمجرد ذكر اسم الطبيب.
التعلم الشرطي:
هذا التعلم البسيط السلبي غير المقصود الذي رأينا أثره من قبل في تحوير مثيرات الدوافع الفطرية هو ما يعرف بالتعلم الشرطي أو الاشتراط وهو يتلخص في ارتباط مثير طبيعي بمثير صناعي جديد -أي غير طبيعي – يخلع على المثير الصناعي قوه المثير الطبيعي فإذا به أصبح قادراً على إثاره السلوك.
فالرعد في المثال السابق مثير طبيعي للخوف لكن المطر مثير صناعي.
تجارب بافلوف:
حوالي عام 1900 كان الفيسيولوجي الروسي بافلوف يقوم بدراسة عملية الهضم عند طائفة من الكلاب المروضة في معملة غير أنه لاحظ بعض الملاحظات جعلته يغير اتجاهه في البحث وأن يجري تجارب جديدة أحدثت انقلاباً في علم النفس الحديث خاصة في النظرة إلى عملية التعلم وتفسيرها:
من المعروف أن الكلب يسيل لعابه حين يوضع الطعام في فمه وهو منعكس طبيعي.
غير أن بافلوف لاحظ أن الكلب يسيل لعابه أيضاً لمجرد رؤية الطعام أو رؤية الشخص وهو قادم أي أن لعابه يسيل قبل أن يوضع الطعام في فمه.
وقد أطلق بافلوف على إفراز اللعاب في هذه الحالة الإفراز النفسي تمييزاً له عن الإفراز الذي يثيره وضع الطعام في الفم.
هذه الملاحظة لم تكن في ذاتها تنطوي على دلالة كبيرة إذ من المعروف أن لعاب الإنسان يسيل عند رؤية الشخص الذي يقدم له الطعام أو عند سماعه جرس الذي يؤذن بالطعام.
غير أن بافلوف رأى أنه من الممكن أن يتخذ من هذه الاستجابة وسيلة لدراسة وظائف المخ وافترض أن حدوث هذا الإفراز النفسي يعني انفتاح ممرات عصبية جديدة في المخ.
فإذ به يترك دراسة فيزيولوجيا الهضم إلى دراسة في فيزيولوجيا المخ الذي كان يعتبره المركز الرئيسي المسؤول عن السلوك الراقي لدى الفقاريات العليا وإذا به يبدأ في إجراء سلسلة من التجارب للتحقق من صحة ما طرأ على ذهنه من فروض.
فمن التجارب النموذجية التي أجراها أنه كان يجيء بكلبه فيثبته على مائدة التجارب ثم يضع على لسانه مقدار من مسحوق اللحم المجفف فيسيل لعابه بطبيعة الحال.
بعد ذلك كان يقرع جرس كهربائي يسمعه الكلب قبل أن يضع المسحوق في فمه مباشرةً – ببضع ثوان – فكان يلاحظ بعد تكرار هذه التجربة عده مرات تتراوح بين 10 و 100 مرة – و الكلب جائع في كل مرة- كان يلاحظ أن مجرد قرع الجرس يكفي لإفراز لعاب الكلب دون أن يتلو ذلك وضع الطعام في فمه.
لكن الإفراز يكون بكمية أقل في هذه الحالة، فأعاد هذه التجربة مستعيضاً عن قرع الجرس في إضاءة مصباح أمام الكلب قبل أن يلقمه المسحوق مباشرةً وجاءت نتيجة هذه التجربة مشابهة لنتيجتها السابقة.
إعادة التجربة وهو يربت على ظهر الكلب أو كتفيه قبل أن يضع المسحوق مباشرة فكان يسيل لعاب الكلب بعد تكرار هذه التجربة عدد مرات.
ومن أمثال هذه التجارب التي قام بها بافلوف وزملائه أنه كان يعرض الكلب لصدمة كهربائية خفيفة في ساقه قبل أن يعطيه المسحوق مباشرة فوجد أنه بتكرار هذه التجربة يسيل لعاب الكلب لمجرد تعرضه للصدمة الكهربائية.
إن صوت الجرس أو إضاءة المصباح أو الربت على جسم الكلب أو تعريض ساقه لصدمة كهربائية ليست مثيرات فطرية طبيعية لإفراز لعاب الحيوان.
فلابد أنه اكتسب هذه الخاصة لاقترانها المباشر بالمثير الطبيعي وهو وجود الطعام في فم الحيوان.
وقد أطلق بافلوف على هذه المثيرات البديلة الجديدة اسم المثيرات الشرطية كما أطلق على الاستجابة للمثير الشرطي اسم الفعل المنعكس الشرطي أو المشروط لأنه يحدث في شرط من شروط خاصة منها:
- الاقتران الزمني للمثير الجديد بالمثير الطبيعي اقتران مباشرةً، بحيث تكون الفترات بينهما وجيزة جداً، فقد وجد أن هذه الفترة الزمنية بين المثيرين أن زادت على 30 ثانية لم يحدث الفعل المنعكس الشرطي.
- أن يتكرر هذا الاقتران عده مرات فكانت تبلغ بعض الأحيان 100 مرة أو تزيد.
- أن يكون الحيوان جائعاً متيقظاً وفي حالة صحية جيدة.
- عدم وجود مشتتات لانتباه الحيوان في المعمل.
نصيغ ما تحدثنا عنه فيما سبق بشكل آخر فنقول لقد تعلم الحيوان أن يستجيب بإفراز اللعاب لمثيرات بديلة رمزية جديده ليس بينها وبين المثيرات الطبيعية علاقة منطقية، عند ظهورها قبيل المثيرات الطبيعية عدد مرات أي اقترن ظهورها بالمثيرات الطبيعية.
ومنذ ذلك الحين أطلق على هذا النوع من التعلم البسيط اسم التعلم الشرطي أو الاشتراط، ويتلخص في تعود الاستجابة لمثير جديد أو اكتساب فعل منعكس شرطي.
ولم تقف تجارب بافلوف وأتباعه عند اكتساب الأفعال المنعكسة الشرطية اللعابية عند الكلاب.
بل تجاوزتها إلى الأفعال المنعكسة الحركية والانفعالية عند الكلاب وغيرها من الحيوانات بل على الإنسان أيضاً. كأن يسحب الحيوان ساقه عند سماعه جرساً معيناً اقترن بصدمه كهربائية تصيبه فيها.
بل لقد أمكن اشراط بعض أفعال الإرادية لديها.
فأننا لو عرضنا قطة جائعة تكاد تثب على فأر بصدمة كهربائية وكررنا ذلك عدة مرات لانتهى الأمر بالقطة إلى أن تتجنب الفأر كما لو كان وحشاً ضارياً بدل أن يكون طعاماً شهياً.
الإشراط عند الإنسان: