ملخص:
لقد اتضح لنا أن علم النفس يدرس ثلاثة أوجه من النشاط: أحدها وهو السلوك الحركي واللفظي- نشاط ظاهري خارجي موضوعي أي يمكن أن يلاحظه وأن يبحث أشخاص كثيرون غير الشخص الذي يصدر منه.
أما النشاط الذهني والعقلي وكذلك النشاط الوجداني والانفعالي فكل منهما نشاط داخلي باطني ذاتي أي لا يمكن أن يشعر به وأن يدركه وأن يلاحظه إلا صاحبه وحده دون غيره من الناس.
تسمي جملة النشاط الذاتي بالحالات الشعورية أو الخبرات الشعورية ويطلق رجل الشارع في العادة على هذه الظروف من النشاط الذاتي اسم النشاط النفسي.
لأنه نشاط غير مجسم ولا ملموس لأنه لا يصدر عن الجسم أو عن عضو خاص منه كما هو الحال في النشاط الحركي واللفظي الظاهر وهو السلوك.
أما علم النفس فلا يقصر دراسته كما رأينا على ما يسمى في العادة بالنشاط النفسي بل يعتبر النشاط الحركي نشاطاً نفسياً أيضاً ما دام يصدر عن الإنسان وهو يتعامل مع بيئته.
فالظواهر التي يدرسها علم النفس عقليه كانت أم وجدانية أم حركية تشترك كلها في أنها أوجه نشاط تعكس تأثر الإنسان ببيئته وتأثيره فيها.
ومن هنا يتضح أن مفهوم كلمه نفسي في علم النفس أوسع وأشمل منه عند عامه الناس وأن الحياة النفسية خبرات شعورية وسلوك.
النفسي والجسمي:
إن إصرار عامة الناس على الفصل الحاسم بين ما هو نفسي وما هو جسمي يبدأ في تمييزهم الحساب العقلي عن الحساب العملي.
ففي الحساب العملي يجري الشخص العمليات الحسابية مستعيناً بالورقة والقلم وكتابة الأرقام ورؤيتها بعينيه.
أما في الحساب العقلي فيجري الشخص العمليات في ذهنه يراها بعين العقل دون القيام بنشاط جسمي عضلي على أن الإنسان حين يفكر في موضوع أو ينتبه إليه فإن هذا النشاط العقلي تصحبه في الوقت نفسه تغيرات جسميه مختلفة:
توترات عضلية ونشاط في الحواس ومفرزات غدية وتغيرات في التنفس ودورة الدم وعملية الهضم.
وكذلك في التيارات الكهربائية في المخ والأنسجة والأعضاء المختلفة هذا فضلاً على المظاهر السلوكية الخارجية كالحركات والتعبيرات و الأوضاع الجسمية الخاصة التي يتخذها الإنسان أثناء تفكيره أو انتباهه.
بل لقد دلت التجارب على أن التفكير غالباً ما يقترن بكلام باطن أو بنشاط حركي دقيق في أعضاء النطق الحنجرة واللسان والشفتين وهي حركات يمكن تسجيلها في أجهزة دقيقة وقد يحدث أحياناً أن يكلم الشخص نفسه بصوت مسموع وهو يفكر.
كذلك الحال فيما يصدر عن الإنسان من نشاط جسمي أو حركي.
لإنسان حين يكتب فهو لا يكتب بيديه فقط وحين يضرب لا يضرب بقبضتيه فقط وحين يأكل لا يأكل بفمه ويديه فقط وحين يجري لا يجري بساقيه وبجسمه بل أن هذه الألوان من النشاط الجسمي والسلوك الظاهر تصحبها في الوقت نفسه ضروب من النشاط العقلي كالانتباه والإدراك والتقدير وتصور الغاية من السلوك وأخرى من التأثر الوجداني كالشعور بالارتياح أو عدمه باللذة أو الألم.
ومن ذلك يتضح لنا أنه ليس هناك فارق أساسي بين الحساب العقلي والحسابي العملي فكلاهما نشاط نفسي وحركي في آن واحد.
وكل ما في الأمر أن الحساب العملي يقترن بقدر أكبر وأكثر ظهوراً من النشاط العضلي الظاهر أو بمجموعة مختلفة من العضلات.
ومن ناحية أخرى فالإنسان حين يغشاه انفعال كالخوف أو الحزن أو الغضب فإن هذه التأثيرات الوجدانية والانفعالية تصحبها تغيرات أو اضطرابات جسمية وفيزيولوجية قد تكون بالغه الخطورة إن أزمن الانفعال.
فقد اتضح أن القلق المزمن الموصول قد يؤدي إلى ظهور قرحه في المعدة أو الاثني عشر.
وأن الكراهية المكظومة لمده طويلة قد تؤدي إلى ارتفاع خبيث في ضغط الدم.
كل هذا فضلاً عن التعبيرات الحركية والسلوكية الظاهرة التي تصحب الانفعال.
من هذا نرى أن كل نشاط جسمي يصحبه نشاط نفسي داخلي ويرتبط به ارتباطاً وثيقاً وأن كل نشاط نفسي داخلي يصحبه نشاط جسمي وهكذا لم يعد ثمة مجال للفصل بين ما هو نفسي وما هو جسمي بين الحياة النفسية والسلوك.
نستطيع أن نضع ما تم ذكره سابقاً في صورة أخرى فنقول إن كل نشاط يصدر عن الإنسان وهو يتعامل مع بيئته ليس نشاطاً نفسياً خالصاً ولا نشاطاً جسمياً خالصاً.
بل نشاط كلي يصدر عن الإنسان بأجمعه باعتباره وحده جسمية ونفسية متكاملة لا تتجزأ وإن تأثر جانب منها أو اضطرب تأثرت الوحدات كلها أو اضطربت.
ولقد أحسن الفيلسوف أرسطو التعبير عن ذلك بقوله ليس الذي ينفعل هو النفس أو الجسم بل الإنسان.
ونستطيع أن نقول على غراره ليس الذي يفكر هو المخ أو العقل بل الإنسان فالإنسان كله هو الذي يقرأ ويكتب وهو الذي يحب ويكره وهو الذي ينجح ويخفق وهو الذي يسعد ويشقى.
والإنسان كله هو الذي ينجز أعماله ويحل مشكلاته ويتعامل مع البيئة المحيطة به ويتكيف لها على أننا نميل في العادة إلى وصف العملية أو الظاهرة بأنها نفسية كالتفكير والتذكر أو القلق مثلاً حين يبرز جانبها الذاتي الباطني على جانبها الموضوع الخارجي.
وإلى وصف العملية أو الظاهرة بأنها جسمية أو حركية حين يبرز جانبها الخارجي على جانبها الداخلي كالسباحة والمشي والأكل.
العلم يصف ويفسر:
علم النفس الحديث كغيره من العلوم الطبيعية والاجتماعية يصف الظواهر التي يدرسها وصفاً دقيقاً ثم يفسرها في ضوء قوانين ومبادئ عامة.
فكما وصل علم الفيزيقية إلى قانون بويل الذي يبين العلاقة بين حجم الغاز وضغطه إذا بقيت درجه الحرارة ثابته وكما وصل علم الكيمياء إلى قانون بقاء المادة وكما وصل علم الاقتصاد إلى قانون العرض والطلب كذلك يحاول علم النفس أن يظفر بقوانين ومبادئ عامه في موضوعات التعلم والتذكر والتفكير والانفعال وغيرها.
فعلم النفس يصف مختلف ضروب السلوك الإنساني: