محددات الذكاء:
هل الذكاء ناتج عن الوراثة فحسب، أم أنه عائد إلى البيئة والظروف المحيطة فقط، أم أنه حصيلة التفاعل بينهما؟
إن محاولات الإجابة عن هذه التساؤلات ليست حديثة، إذ شهدت الساحة السيكلوجية ألواناً من التعصب لعامل دون الآخر، ثم انتقل البحث إلى التساؤل عن الكيفية التي يتم من خلالها التفاعل بين الوراثة والمحيط.
أثر الوراثة:
تعود جهود الباحثين في مجال توضيح أثر الوراثة في الذكاء إلى عام 1869 عندما صدر كتاب جالتون (العبقرية والوراثة).
مبيناً وجود ارتباط إيجابي بين ذكاء الأطفال وذكاء آبائهم وقد أكدت الدراسة متعددة هذه الحقيقة فيما بعد مبينة أن قيمة معامل الارتباط تبلغ حوالي 0.50.
وعلى الرغم من أهمية هذه الحقيقة إلا أنها لا تبرهن على أن الذكاء مورث، فالوراثة تترافق عادة بشروط ببيئية والعكس صحيح أيضاً.
لهذا لجأ علماء النفس إلى دراسة العلاقات الارتباطية بين مجموعات متنوعة من الأفراد بناء على درجة قرابتهم ودرجة تشابه الظروف البيئية التي نشأوا فيها، وقد تراوحت نوعية هؤلاء الأفراد بين التوائم المتماثلة التي نشأت معاً، والأفراد الذين لا تربطهم أية قرابة إطلاقاً ونشأوا في ظروف بيئية واحدة.
وقد لخصت دراسات متعددة إلى أن الذكاء محدد نسبياً بالوراثة كما يقاس باختبارات الذكاء بحيث يتوقع وجود ارتباط إيجابي بين درجات ذكاء الإخوة سواءً نشأوا في بيئة واحدة أم بيئات مختلفة، في حين يضعف هذا الارتباط جداً أو ينعدم تماماً بين درجات ذكاء الأفراد الذين لا تربطهم أية قرابة وعاشوا في بيئات مختلفة.
فقد أظهرت نتائج دراسة بيرن 1966 أن قيمة معامل الارتباط بين درجات ذكاء التوائم المتماثلة (توائم نشأت من بويضة واحدة) التي نشأت معاً 0.92 وبين التوائم المتماثلة التي نشأت في بيئات مختلفة 0.86 وبين التوائم المتشابهة (توائم نشأت أثناء حمل واحد من بويضتين منفصلتين) التي نشأت معاً 0.53 وبين الأخوة غير التوائم الذين نشأوا معاً 0.50 أما قيمة معامل الارتباط بين درجات ذكاء الأفراد الذين لا تجمعهم أية قرابة ونشأوا معاً فقد بلغت 0.25.
وقد بينت دراسة ايزك أن قيمة معامل الارتباط بين درجات ذكاء التوائم المتشابهة التي نشأت معاً 0.52 وبين التوائم المتماثلة التي نشأت معاً 0.87 وبين التوائم المتماثلة والتي نشأت في بيئات مختلفة 0.75.
ومما يلفت النظر في نتائج هذه الدراسات هو أن قيمة معامل الارتباط بين التوائم المتماثلة التي نشأت في بيئات مختلفة أكبر من قيمة معامل الارتباط بين التوائم المتشابهة التي نشأت في بيئة واحدة، الأمر الذي يؤكد على نحو واضح دور العوامل الوراثية في تحديد درجة ذكاء الفرد.
وقد خلص آرثر جنسن من الدراسات واسعة قام بها في الأعوام (1969, 1972, 1976) إلى نسبة 70%-80% من الذكاء عائد إلى الوراثة وأن هناك فروقاً في الذكاء لمصلحة البيض.
أما عند علماء الوراثة فقد أكدوا على أهمية