*الممارسة*:

&لقد استمرّت المُمارسة الميدانية للتخطيط الحضري مع تطوّر مُدن القرون الوسطى بأوروبا بالتركيز على مبنيي الكنيسة والبلدية ، سواء من الجوانب المعمارية أو باعتبارهما مركزاً للمدينة ، وأصبحت المدن مميّزة بكنائسها الضخمة والتي يُطلق عليها اسم الكاتدرائية أو الكنيسة الرئيسية ، وما يُصاحبها من ساحات وميادين رئيسية . وقد تجمع هذه الساحات بين مبنى الكاتدرائية الكنيسة والبلدية ، وتلي هذه المرحلة مرحلة العصر القوطي ، الذي أضاف إلى ذلك العناية بالقصور والحدائق الهندسية المنسّقة ، وتناول النظام القوطي هندسة المواقع في مجال القصور وحدائقها .&

**الثورة الصناعية**:

&كان للتطوّرات التي حدثت خلال عصر النهضة تأثيرات مُباشرةً في مجال التخطيط الحضري ، وكان في مقدّمتها الثورة الصناعية وما صحبها من تأثير على المدينة وسكّانها ، والتي بدأت بدخول الآلة في الصناعة واعتمدت في بدايتها على الطاقة المائية ثمّ البخارية ، وأخيراً آلات الاحتراق الداخلي .&

&وهذه الثورة الصناعية التي ظهرت بأوروبا مع نهاية القرن الثامن عشر ، كان لها تأثيرات سلبية وإيجابية في الحياة الحضرية ووضع المُدن ، وقد صاحب هذه الثورة هِجرة من الريف إلى المُدن ولا سيما من الطبقة العاملة ، وتمّ إيواء العمّال بالمنشآت الصناعية أو بالقرب منها وبشكل مُكتظ وبدون وسائل صحية كتوافر المياه النظيفة أو الصرف السليم ، كذلك نتج عن هذه المصانع عوامل ومؤثرات سلبية في المدينة ، سواء في حركة طرقها أو الاستعلامات القائمة بها أو في وسائل الصرف لهذه المصانع ، وما أفرزته آلاتها من ضجيج وأدخنة وغُبار وخِلافه ، جميع هذه السلبيات اقتضت ظهور أسس جديدة اختصّت بتحسين نظام إقامة العمال وفصل المُنشآت الصناعية ، وتطوّر عن ذلك أسس فصل الاستعمالات الصناعية ، كذلك التركيز على الجوانب الصحية ، أو نظم تزويد المدن بمياه الشرب الصحية ووسائل الصرف ، وكذلك الدعوة إلى تبنّي المناطق الخضراء في المُدن .&

**الاجتهادات والتطور**:

&انطلقت الاجتهادات التي تدعو إلى خروج المُدن إلى الريف أو إدخال ميّزات الريف إلى المدينة ، من فراغات وساحات ومناطق خضراء ، وتخفيض في الكثافة السكانية .&

&وتعدّدت الاجتهادات مع بداية القرن التاسع عشر ، حيث بدأت حملة إزالة الأسوار المُحيطة بالمدن والتي أصبحت غير ذات جدوى مع آلة الحرب الجديدة ، وحلّ محل هذه الأسوار طرق دائرية حول المدينة ، وسمحت هذه الإزالة باتصال المدينة بالريف بعدّة منافذ وطُرق ، بدلاً من بوابات محدودة تُقفل ليلاً وتُفتح نهاراً .&

&وقد تعمّقت الاجتهادات حول نُظم الطرق وتحديداً النظامين المعروفين بالنظام الشبكي التقليدي والنظام الشعاعي والدائري الموجود في نظام طُرق مدينة بغداد . وعلى الرغم من أنّ لكلّ منهما ميّزاته ، إلا أنّه ظهرت اجتهادات جمعت بين النظامين ، أو اقترحت إضافة طُرق وترية على النظام الشبكي لتقصير المسافة بين أركان المدينة ، وكانت ساحة ممارسة هذا النظام مدينتي باريس وواشنطن . وقد تضمنّت هذه الطرق ظهور الطرق الاستعراضية للجيوش أو الطرق التي تربط بين منشآت ومعالم ونُصب رئيسية في المدينة ، وهو جانب تنسيقي يمكن أن نضعه ضمن مجال العناية بالجوانب المظهرية والجمالية للمدينة ، ويختصّ به مجال التصميم الحضري وهندسة المواقع .&

&وكان لاجتهاد المعماريين والمخطّطين والممارسين أطروحاتهم في تنسيق المدن وتنظيم طُرقاتها وإيجاد روابط وعلاقات بين مُختلف منشآت المدينة ، واقتراح الفراغات والبواكي والمنشآت الخاصّة والنصب والنوافير والمعالم التي تميّز المدينة وتفتخر بها .&

&ويصعب على المشاهد العادي التمييز بين التخطيط الحضري ذي الشموليّة وبين التصميم الحضري وهندسة المواقع والتي تتناول الجوانب التنسيقية والجمالية في المدينة .&

&وكثيراً ما يُرى في التخطيط الحضري إلا الجانب الثاني في الموضوع وهو الجانب التنسيقي والجمالي والمظهر العام للمدينة والذي يمثّل الجانب الملموس والمنظور إليه ، والذي يُتيح المظهر الجميل والتمتّع بما يُشاهد من تنسيق في حدائق وطُرق المدينة ومظهرها ومنشآتها .&

&أمّا ما توفّره المدينة من جوانب أخرى تضمّن أسس الإقامة والعمل بها وتوفّر الخدمات الأساسية لسكانها ، فإنّها جوانب لا تلمس إلا للمُقيم بها أو المختصّ .&

المثالية*:

&مع نهاية القرن الماضي ، انطلقت مجموعة مثاليات واستمر ظهور هذه المثاليات حتى مُنتصف هذه القرن ، تمثّلت في مجموعة أطروحات ، منها أطروحة مدينة الحدائق لابنيزة هوارد ، هذه الدعوة أو النظرية التي تدعو إلى التركيز على الحدائق والمناطق الخضراء وإيجادها في المدن وبالذات ضمن المناطق السكنية ، وما تضمّنته هذه النظرية من تحديد لحجم المجاورة ، وما يجب أن تحويه ، وبالذات لمُرفق ، التعليم الابتدائي وتحديد مساحة المجاورة وحجمها وأبعادها على ضوء هذا المُرفق والذي وطّن بمركز المجاورة وبأن لا تبعد الوحدات السكنية عن المدرسة الابتدائية بأكثر من حوالي 500 متر ، وهي المسافة الآمنة التي يمكن أن يقطعها التلميذ راجلاً بدون تعب ، وبأن تكون هذه الطرق آمنة من المواصلات الخطيرة ، أي طُرق داخلية.&

**مدن الحدائق**:

&وقد استجابة عدّة مُدن لهذه الدعوة بظهور عُمران الضواحي ، أي خُروج المدينة إلى الريف المتضمّن مناطق خضراء ، ووجد في مُعظم المُدن مناطق سُمّيت بمدن الحدائق ، انطلق من ذلك نِظام المباني السكنية المُنفصلة مُبتعدةً عن النظام المستمر الذي كان سائداً في المدن الأوروبية والشرقية ، حيث انتشرت العمارة السكنية المُحاطة بحدائق ، كما أتاحت الضواحي وفرة في الأرض مما سمح بظهور نظام الدارات أو الفيلات ، وبرزت أحياء الضواحي كما ظهرت المدن الطولية أو الشريطية المقتفية لنظام السكك الحديدية .&

**تأثير المواصلات والسكك الحديدية**:

&على إثر انتشار نظام المواصلات والنقل بواسطة القطار والتي دعت إلى امتداد المدينة موازية لمسار سكّة الحديد ، مع فصل النشاط الصناعي على جانب والاستعمال السكني على الجانب الثاني من مسار السكّة الحديدية وتوفير حزام أو شريط أخضر للمناطق السكنية .&

&وهذا الواقع كان له تأثير على تطوّر العديد من القرى في الريف وقيام العديد من المراكز الصناعية خارج المُدن ، مُعتمدة على مواصلات السكك الحديدية في نقل العمّال والبضائع .&

**ظاهرة تضخّم المدن والحجم المثالي لها**:

&وعلى إثر تضخّم حجم المدن وارتفاع عدد سكّانها والحاجة إلى عدم الامتداد العشوائي ، ظهرت نظرية التوابع ، أي إنشاء مُدن بحجوم محدودة مفصولة عن المدينة الأم ، وتقع في مجالها الاقتصادي والخدمي والإقليمي . وصَاحَب ذلك فلسفة الحجم المثالي للمدينة ، أي الحجم السكاني .&

&وهذا الرأي أو الجدال حول الحجم المثالي لم يُحسم ولم يتجاوز الجانب النظري إلا من حيث التسمية حيث أصبحت عدّة تسميات للمدن الكبيرة الضخمة مثل المدينة الكبرى أو الحاضرة (متروبلتن) ، مجابولس وغيرها .&

&وعلى من جميع هذه النظريات والدعوات للحد من حجم المدن ، فإنّنا نلاحظ أنّ المُدن الرئيسية مستمرّة بالكبر والتضخّم وفاقت أي توقّعات ، وأصبح العديد من المدن يتجاوز عدد سكّانها عشرة ملايين نسمة .&

&وقد صاحب التضخّم للمدن الرئيسية أن انتشر العمران على طول الطرق الممتدّة منها ، وفي كثير من الأحيان امتدّ هذا الانتشار مئات الكيلومترات ليربط بين العديد من المدن الرئيسية .&

&وظهرت نظم استيطانية جديدة اعتمدت على السكن الجديد ، وعلى السيارة كوسيلة انتقال مرنة وخصوصية أهّلت الإقامة في أي موقع مناسب ، وعلى بعد من موقع العمل يمكن الوصول إليه بهذه الوسائل في زمن مقبول وامتدّ هذا الزمن بما يتجاوز الساعة انتقال .&

&وكانت نتيجة ذلك ظاهرتين أساسيّتين إحداهما عدم الارتباط في موقع السكن بموقع العمل وأماكن الإقامة في العديد من المُدن الثانوية والقرى والريف والعمل في المُدن الرئيسية والمجتمّعات الصناعية ، والثانية تمثّلت في انتشار العمران ، سواء كاستعمال سكني أو ظهور العديد من المنشآت الصناعية والتخزينية إلى ضواحي المدن وخارجها وعلى امتداد الطرق ، وكذلك بين أهم المراكز الحضرية .&

إنشاء حساب جديد

قم بتنزيل تطبيق eMufeed Android الآن

 

 

ساعة ذكية