تحولات المادة العضوية والنضج الحراري للكيروجين

^ مقدمة ^ :

&تبدأ المواد العضوية اعتبارا من لحفلة ترسبها في الأوساط التي كانت تعيش فيها، أو التي انتقلت إليها تعاني من تغيرات عديدة في بنيتها، وفي تركيبها الكيميائي، وذلك بهدف الوصول إلى أقصى درجة من الانسجام مع ظروف الوسط الذي توجد فيه. ويعد النشاط الميكروبي أحد العوامل الرئيسة في التحول بالقرب من السلح، لكن دور العامل البيوكيميائي يبدأ بالاضمحلال مع استمرار تعمق الرسوبيات، وتبدأ التغيرات الناتجة عن الحرارة بالظهور، وإذا ما تعرضت الرسوبيات الحاوية على الكميات، والنوعيات الملائمة من المواد العضوية إلى الظروف الحرارية المناسبة، فإنه سيكون بإمكانها أن تنتج كميات هامة من المواد البترولية، وذلك بسبب حدوث تفاعلات غير عكوسة تدعى تفاعلات النضج، أو النضج الحراري( Maturation )، ينتج عنها تكسر جزيئات صغيرة من بنية الكيروجين، تاركة خلفها البقايا الأكثر مقاومة؛ وعلى الرغم من أن تفاعلات النضج لا تتوقف بشكل كامل، حتى لو حصل تناقص شديد في الحرارة، إلا أن سرعة التفاعلات تتناقص، كلما تناقصت الحرارة، حتى تصبح قليلة الأهمية عندما تكون الحرارة أقل من درجة معينة، لكنه من الصعب تعيين الحدود الحرارية اللازمة لبداية المرحلة الرئيسة من النضج الحراري بشكل عام، وعلى مستوى الكرة الأرضية ككل، وذلك بسبب الدور الذي يمكن أن يؤديه الزمن، حيث يمكن للصخور القديمة أن تولد مواد هيدروكربونية ضمن درجات حرارة أقل من مثيلاتها في الصخور الأحدث.

تتناقص خلال النضج الحراري للكيروجين النسبتين الذريتين H/ C ، و C/0، و يخسر الكيروجين تدريجية محتواه من كل من الكبريت، والنيتروجين، غير أنه تتم خسارة النيتروجين بشكل رئيس أثناء الكاتاجينيز المتأخر، والميتاجينيز، بعد أن يكون الكيروجين قد فقد كميات هامة من الهيدروجين، بينما تتم خسارة الكبريت في أبكر مراحل الكاتاجينيز، لذلك تشير نسب الكبريت المرتفعة في بعض النفوط إلى نضج کیروجيني مبكر.

تنخفض القدرة التوليدية في الكيروجين تدريجيا نتيجة للتغيرات السابقة، ليصبح أكثر أروماتية، وأفقر بكل من الهيدروجين، والأكسيجين، ولتصبح الأنواع الثلاثة من الكيروجين في مراحل النضج المتأخرة متشابهة جدا، وتفقد عملية قدرتها على توليد المواد الهيدروكربونية .

تصبح ألوان الكيروجين مع تزايد درجة النضج أكثر قتامة، لتتحول تدريجيا من الأصفر إلى الذهبي، إلى البني الفاتح، فالبني القائم، ثم إلى الأسود، لكن هذه التغيرات لا تدل بالتأكيد على تولد المواد الهيدروكربونية، ولا توجد ضمانة أكيدة في الاستدلال على بداية تولد النفط من خلال لون الكيروجين.

تصبح بنية الكيروجين أكثر انتظاما، كلما تقدم في مراحل النضج وازداد غناه بالمركبات الأروماتية، وذلك بسبب القدرة العالية للوريقات الأروماتية على التراص. تؤدي هذه التغيرات في التنظيم البنيوي، إلى تغيرات هامة في الخصائص الفيزيائية للكيروجين، يمكن استخدامها في الدراسات الاستكشافية، وذلك كتغير قدرة القسيمات الكيروجينية على عكس الضوء الساقط عليها، فكلما كانت البنية الكيروجينية أكثر عشوائية، كلما كانت نسبة الضوء المبعثرة أكبر، ونسبة الضوء المنعکس أقل، وعلى هذا الأساس تستخدم الطاقة الانعكاسية للفترينيت بشكل واسع، وناجح في تقدير النضج الحراري للكيروجين، وكمؤشر على مرحلة التوليد الهيدروكربوني، التي يمر بها.&

**مراحل تحول المادة العضوية** :

&تتبع التغيرات البيوكيميائية، والحرارية، التي تتعرض لها المواد العضوية، والتي تؤدي إلى نشأة البترول اعتبارا من المواد الحية طريقين اثنين، يمكن تلخيص خلاصة نتائجهما من خلال الشكل ، الذي يبين أن حوالي 10- 20% من المواد البترولية، يمكن أن تأتي مباشرة من المواد الهيدروكربونية، التي تقوم بتركيبها الكائنات الحية، أو من جزيئاتها، التي تتحول مباشرة إلى مواد هيدروكربونية، وتتميز معظم هذه الجزيئات الهيدروكربونية مبكرة التشكل، باحتوائها على أكثر من 15 ذرة كربون. أما بقية المواد الهيدروكربونية البترولية، فإنها تأتي من تحول الليبيدات، والكربوهيدرات، إلى کیروجين، الذي ينتج عنه البيتومين بسبب التسخين، ويتشكل البترول نتيجة استمرار عملية التكسير الحراري للبيتومين، مع العلم أنه يمكن لبعض البترول أن يتشكل من الكيروجين مباشرة، وإذا ما استمرت الصخور الحاوية على هذا البترول بالتعمق، والتعرض إلى درجات الحرارة المتصاعدة، فإنه سوف يتغير وفق طريقين، يقود أحدهما إلى ازدیاد مستمر في الجزيئات الأصغر، والأغنى بالهيدروجين، بينما يقود الأخر إلى جزيئات أكبر، وأفقر بالهيدروجين، وتكون المنتجات النهائية عبارة عن ميتان، وغرافیت.

تقسم تحولات المواد العضوية حسب طبيعة التغيرات، والعوامل التي تؤثر عليها إلى ثلاثة مراحل هي اعتبارا من السطح: الدياجينيز، الكاتاجينيز، والميتاجينيز.&

**مرحلة الدياجينيز ** Diagenesis:

&يمكن تعريف دياجينيز المواد العضوية على أنه عبارة عن تحولات بيولوجية، كيميائية، وفيزيائية تصيب هذه المواد في درجات الحرارة المنخفضة.

تحتوي الرسوبيات تحت المائية عادة على كميات كبيرة من المياه (يمكن أن تصل نسبتها في السنتيمترات الخمسة الأولى إلى حوالي 60% من الوزن الكلي للرسوبيات )، وذلك بالإضافة إلى فلزات، ومواد عضوية، وأعداد هائلة من الكائنات المجهرية الحية، ويكون هذا المزيج بعيدا عن حالة الاتزان، لذلك فإنه يتجه أثناء مرحلة الدياجينيز للوصول إلى هذه الحالة، ضمن ظروف معتدلة من الضغط، والحرارة لا تتجاوز 50 م، ويعد النشاط الميكروبي أحد العوامل الرئيسة في تحول المواد العضوية خلال هذه المرحلة.

يتم أثناء الترسيب، والمراحل الأولى من الدياجينيز تخريب البوليمرات العضوية ( بروتينات، وكربوهيدرات )، لتتشكل الجيوبولميرات، ذات البنيات الكثيفة ( أسلاف الكيروجين ).

تقوم الكائنات المجهرية الهوائية الدقيقة في أعلى الرسوبيات باستخدام الأكسيجين، الذي يلزمها مباشرة، بينما تحتاج الكائنات اللاهوائية للحصول على ما يلزمها من هذا العنصر، إلى إرجاع الكبريتات، لكن دور هذه الكائنات يتناقص بشكل كبير مع ازدياد العمق، حتى يتوقف نهائيا، وذلك بسبب تناقص أعدادها، الناتج عن نقص مصادر الأكسيجين، وتشكل الغازات السامة، حيث تقدر أعداد الميكروبات

علی سطح الرسوبيات ناعمة الحبيبة، كالرسوبيات الطينية بالملايين في السنتيمتر المكعب الواحد التناقص إلى بضع مئات فقط على عمق ثلاثة أمتار، وقد بينت الدراسات التي قام بها ويلن ( 1986 ,Whelen ) أنه يمكن لأعداد قليلة جدا من البكتريا المرجعة للكبريتات أن تستمر بنشاطها حتى عمق حوالي 167م.

تستطيع المواد العضوية أن تولد خلال الدياجينيز بعض الغازات ، وبشكل خاص الميتان، وثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى الماء، وبعض مرکبات NSO الثقيلة، التي تتولد خلال الدياجينيز المتأخر

تتوافق حماية دياجينيز المادة العضوية مع الحد الذي ينخفض فيه ما يمكن استخلاصه من الأحماض اليومية إلى أدنى قيمة، وحيث تختفي مجموعة الكربوكسيل ( Carboxyl groups )، وهو ما يتوافق مع قيمة العلاقة الانعكاسية للفترينيت 0.5% .&

**مرحلة الكاتاجينيز Catagenesis**:

&يتم في مرحلة الكاتاجينيز تكسر المواد العضوية المحفوظة في الصخور الرسوبية حرارية، وتغلي هذه المرحلة المال الحراري، الواقع بين الدياجينيز، والميتاجينيز، وهو ما يتوافق مع المحال الحراري الواقع بين حوالي 50 و200م

إذا استثنينا بعض التغيرات على بعض المكونات الطينية، فإنه لا تحدث أثناء مرحلة الكاتاجينيز أية تغيرات تذكر على نسيج الصخر، وتركيبه الفلزي، وتنحصر التغيرات