السفن الحديدية:
شرع بنَّاؤو السفن البريطانيون في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي في بناء السفن الحديدية ومن الأسباب التي أدت إلى ذلك ندرة الخشب الجيد الذي كان يمكن أن تصنع منه السفن في بريطانيا، إلا أن للسفن الحديدية أيضاً عدة مميزات مقارنة بنظيراتها المصنوعة من الخشب، فهي أقوى وأكثر أمناً وأرخص نفقة وأسهل صيانة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن السفن الحديدية أخفُّ وزنًا من السفن الخشبية بالحجم ذاته لأن الأخيرة تتطلب كتلاً خشبية ضخمة وثقيلة، ولهذا السبب تستطيع السفن المصنوعة من الحديد حمل بضائع أكثر.
فاقت بريطانيا الدول الأخرى في تطوير السفن الحديدية عابرات البحار، ففي عام 1818 م دﺷﻨﺖ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﺳﻔﻴﻨﺘﻬﺎ ﻓﻮﻟﻜﺎن وهي أول ﺳﻔﻴﻨﺔ ﺻﻨﻌﺖ كلياً ﻣﻦ ﻣﺎدة الحديد، وكان المهندس البحري البريطاني إيسامبارد كنجدوم برونل من أكثر الموهوبين في أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، ففي عام 1837م أنزل أول سفينة بخارية صُمِّمت خصيصًا للقيام برحلات منتظمة عبر الأطلسي، وكان طول السفينة جريت ويسترن بطول 72م وعرضها 11م، وتدفع السفينة بعجلاتها الجانبية الضخمة، بمعدل تسع عقد بحرية ولقد صمَّم برونل سفنًا أضخم بكثير، ففي عام 1858م، أكمل تصميم جريت إيسترن أكثر السفن إثارة في عصرها، فقد كان طولها 211م وعرضها نحو 26 م وكانت تسع 4000، و كان لها مجاديف ومحرك لولبي وأشرعة.
لكن السفينة فشلت اقتصاديًا إذ إِنها لم تجذب زبائن بما فيه الكفاية لدفع تكاليف التشغيل الضخمة، ولقد استخدمت بنجاح في مد أربعة خطوط برق في قاع المحيط الأطلسي، وفي عام 1888م، بيعت السفينة على شكل خردة.
تطوير الداسرة (المحرك المروحي) اللولبية:
في عام 1836م قدَّم كل من المخترعين فرانسيس بيتيت سميث الإنجليزي وجون أريكسون السويدي، براءة اختراع لداسرة لولبية استطاعت دفع القوارب البخارية بكفاءة أعلى من عجلات التجديف، لقد عملت المجاديف الجانبية جيدًا في المياه الهادئة، أما في البحار الهائجة عندما تميل السفينة من جانب إلى آخر فإنه يمكن لكلتا العجلتين أن تتوقفا عن العمل تمامًا خارج المياه لتضيع بذلك قوة الدفع، وبالإضافة إلى ذلك كان من الممكن أن تعمل الأمواج على تحطيم تلك العجلات الهشة، أما الداسرة اللولبية المغمورة بكاملها تحت المياه، وهي ملحقةٌ بمؤخرة السفينة، فقد استخدمت الطاقة بكفاءة أكبر من عجلات التجديف، فهي تدفع السفينة إلى الأمام بسرعة أكبر بينما تضرب الداسرة في المياه، وفي عام 1845م أصبحت السفينة المسماة جريت بريتن التي صممها برونل أول سفينة تُدفع بوساطة الداسرة اللولبية لتنتقل عبر الأطلسي.
وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، بدأ الفولاذ يحل محل الحديد في صناعة السفن، وَوُجد أن سفن الفولاذ أقوى، وأخف وزنًا من سفن الحديد وفي عام 1881م أصبحت السفينة البريطانية سيرفيا أول سفينة ركاب فولاذية تعبر الأطلسي.
زيادة القوة والسرعة:
في الوقت الذي كانت فيه السفن تتطور من السفن الخشبية إلى الفولاذية، وتتغير قوى دفعها من عجلات التجديف إلى الدواسر اللولبية، تم تطوير أنواع جديدة من المحركات ومصادر جديدة لطاقة الدفع، وفي الفترة التي امتدت من أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، وحتى نهايته لم تستخدم السفن سوى محركٍ بخاريٍّ ذي أسطوانة واحدة.
وقد كان البخار يتمدد في الأسطوانة فيدفع المكبس بخبطة كاملة ثم يمُّر بمكثف يتولى تحويله من جديد إلى ماء وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي بدأ استخدام المحرك البخاري المركب ذي الأسطوانتين في السفن وفي هذا المحرك المركب يدفع البخار المكبس في إحدى الأسطوانتين ثم يمرُّ إلى الأخرى الأكبر حجمًا وهكذا يتاح للمحرك أن يوجد بكمية البخار ذاتها قوة أكبر بكثير مما كان ينتج، لقد قلل المحرك المركَّب استخدام الفحم الحجري في السفن إلى 50% وقد استخدم بناؤو السفن لاحقًا محركات بثلاث أسطوانات، ثم طوروها لتكون بأربع أسطوانات، وأخيرًا بلغت خمس أسطوانات في السفينة الواحدة.
وفي التسعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، صمَّم المهندس الإنجليزي تشارلز بارسونز توربينًا بخاريًا بحريًا كان بمثابة محرك بحري من نوعٍ جديد تمامًا، لقد كان أقوى وأكثر كفاءة من