نباتات طبية وعطرية

نبذة تاريخية :

لقد جذب اهتمام الإنسان منذ بداية وجوده على الأرض أمور عديدة وكان للصحة والجمال قدر هام في حياته وقد دفعاه للبحث عن السبل التي تؤدي إليهما في كل ما حوله. وقد ربط الإنسان الأول بين النباتات البرية التي تعيش حوله وبين الأمراض التي يصاب بها فاستعمل هذه الأعشاب أو أجزاء منها في التداوي من هذه الأمراض كما انتخب من النباتات تلك المفيدة له من النواحي الغذائية والدوائية وعرف النباتات السامة والضارة ومع ارتقاء الحضارة الإنسانية وزيادة الاتصالات بين الجماعات البشرية أخذت هذه الجماعات تتبادل المعلومات والنباتات المستعملة في التداوي كما قامت باستيراد وتصدير النباتات والمواد المستعملة في المداواة كالتوابل والأصماغ والراتنجات وغيرها.

إن استعمال النباتات الطبية في المداواة قديم قدم الإنسان نفسه وقد اثبتت الدراسات الحديثة الفعالية العلااجية للعديد من النباتات التي استعملتها الشعوب المختلفة في التداوي مثال ذلك جذور الراولفيا Rauwlfia الذي استعمله الهنود منذ أكثر من ألفي عام وقد أثبت الطب الحديث فعاليته في علاج ضغط الدم وذلك في منتصف القرن العشرين وكذلك بذور نبات السترفانثوس Strophanthus التي تستعملها بعض الشعوب الأفريقية في تحضير ما يسمى باسم السهم وفي علاج الأمراض القلبية ونبات الجنسنغ Panax ginseng المعروف في الطب الصيني حيث يستخرج منه حالياً العديد من الأدوية المنشطة للجملة العصبية وللدورة الدموية ومن أكثر الشعوب التي اهتمت بالتداوي بالأعشاب نذكر:

1- الصين:

يعتبر الصينيون من أقدم الشعوب التي اهتمت بالتداوي بالأعشاب وقد تضاربت الآراء عن تاريخ أول دستور للأدوية في الصين وهو الذي يطلق عليه اسم بن تساو pentsao أي مجموعة الأعشاب وقد ذكر البعض أن كتابته كانت قبل الميلاد بنحو ألفي سنة وقيل أن امبراطور الصين شين نونجShen nung  هو الذي كشف عن حوالي 365 عقاراً من العقاقير النباتية وجمعها ومن هذه العقاقير الأفيون والقنب وخانق الذئب والراوند والقرفة وجوزة الطيب وغيرها.

ويعتبر الطب الصيني طباً أصيلاً سواء في تصوراته الفلسفية أو في مجاميعه الدوائية التي استخرجت من الثروة الصينية الغنية ويعتبر كتاب الأعشاب الذي وضعه لي تشين تشيجين من أكبر الكتب الطبية النباتية الصينية إذ يحتوي على حوالي 1893 وصفة طبية ويعتبره الصينيون من الكتب التي لا مثيل لها في العالم وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللغة الانكليزية عام 1959 تحت اسم الطب الصيني Chinese medical وقد أعطيت أسماء علمية (لاتينية) لـ 900 نوع يحويها هذا الكتاب أما المواد الدوائية الأخرى فهي خليط من الأنواع النباتية أو مواد معدنية أو مواد مستمدة من الحيوانات ويوجد حالياً في بكين معهد البحث العلمي للطب الشعبي الصيني حيث يدرس مكونات النباتات الطبية بالطرائق العلمية الحديثة.

2- الفيتنام :

الطب الشعبي الفيتنامي قريب من الطب الصيني بالرغم من كونه أكثر حداثة ويعتبر الطبيب ثيو تيبنغ الذي عاش في القرن السادس عشر مؤسس الطب النباتي الفيتنامي وقد كشف في مؤلفاته عن حوالي 630 نباتاً طبياً كما ألف الطبيب لان اونغ الذي عاش في القرن الثامن عشر 66 كتيباً عن النباتات الطبية.

ويمكن القول أن الفيتناميين تمكنوا في العصر الحديث من فتنمة الطب فأساتذة الطب الفيتناميون يرون أن غايتهم ليست ترجمة برامج الطب الغربي وكفى وإنما لا بد أن تمتد إلى أحياء الطب الشرقي المتوارث عن حضارات الشرق العريقة وتلقيحه بأساليب الطب الغربي وهكذا اهتم أساتذة الطب الفيتنامي بطبهم التقليدي فدرسوه واستنبطوا منه أساليب وطرائق صاروا يدرسونها في كليات الطب عندهم هذا هو سبب وجود كرسي خاص للطب الشرقي في كليات الطب الفيتنامية وكذلك سبب إنشاء معهد الطب الشرقي في هانوي عام 1957 حيث تعالج فيه الأمراض بالنباتات المذكورة في الطب الشعبي وقد صدر عام 1965 في هانوي موسوعة عن العقاقير في ستة أجزاء للباحث دوتون لويا حيث وضعت هذه الموسوعة على أسس علمية حديثة.

3- الهند :

لا يقل الطب الهندي القديم عراقة عن الطب الصيني فقد ذكر في كتاب الفيداس Vedas وهو أقدم الكتب الطبية الهندية المكتوب باللغة السنسكريتية مجموعة من الوصفات لمداواة الأمراض ووصف طرائق العلاج بالعقاقير ويوجد في هذا الكتاب حوالي سبعمائة عقار من النباتات كثير منها لا يزال يستعمل حتى الآن مثل اللحلاح Colchicum والصبر Aloe والكركم (الورص) Turmeric وزيت الخروع Caster oil وقد وضع هذا الكتاب قبل الميلاد وأعيدت طباعته عدة مرات وقد استعمل الطبيب الهندي تشاراك الذي عاش في القرن الأول الميلادي أكثر من 500 نوع نباتي في علاج العديد من الأمراض ومن الجدير بالذكر أن الأطباء الهنود لم يستعملوا أية عقاقير طبية مستوردة باستثناء راتنج نبات الحنتيتة Ferula assa foelida الذي استوردوه من ايران بل على العكس فالمعروف أن الهند من أكبر بلدان العالم المصدرة للعقاقير الطبية والفلفل والبهارات. 

image-20200605145428-1

كتاب الفيداس (الكتاب المقدس للديانة الهندوسية وهو كتاب يقع في 800 مجلداً تقريباً تم تأليفه طيلة 1000 سنة وقيل 3 آلاف سنة).

4- مصر:

لقد بلغ المصريون القدماء درجة عالية من المهارة في الطب والعلاج كما جاء في البرديات التي تركوها منذ آلاف السنين التي كانت تسمى بالكتب المقدسة ووجدت في نقوشهم صور كثير من الأعشاب الطبية التي استعملوها في علاج مرضاهم والتي مازالت تستعمل هي أو مكوناتها الطبية في الطب الحديث مثال الخشخاشPapayer الحنظل Colocynth والبنج Henbane والداتورDatura والحلبة Fenugreek وغيرها.

ومن البرديات التي عثر عليها بردية ابيرس التي تعتبر من أهم البرديات الطبية وقد كتبت عام 1550 قبل الميلاد وشملت 877 وصفة طبية من بينها 12 وصفة فقط أساسها التعاويذ السحرية ومن أهم الوصفات تلك التي ذكر فيها استعمال زيت الحلبة لإزالة تجاعيد الوجه كما وصفت دهن الأسد والتمساح والقطة والثعبان لإعادة لون الشعر الطبيعي ونموه في رأس الأصلع ومن العقاقير التي ذكرتها وماتزال تستعمل حتى الآن زيت الخروج Caster oil لعلاج الامساك وكذلك البصل والثوم وكزبرة البئر Adiantum وبصل العنصل Squill ومن البرديات الأخرى بردية سميث وتشمل 48 حالة بين جروح وكسور وقروح وكيفية علاجها.

image-20200605145428-2

بردية ابيريس (1500 ق. م)

5- الأغريق:

لقد كان اليونانيون الذين ازدهرت حضارتهم في القرن الخامس قبل الميلاد فلاسفة ومفكرين وطلاب علم عباقرة فأخذوا من الطب المصري القديم ما رأوه صالحاً بل كان الجزء الأكبر من طب أبقراط وجالينوس وديوسفوريدس مأخوذاً عن الطب المصري القديم حتى إن كلمة فارماكوبيا التي ترجع إلى دستور الأدوية يرجع أصلها إلى الكلمة المصرية القديمة فارماكي ومعناها الذي يمنح الشفاء قد برع اليونانيون في الطب والتداوي بالأعشاب ومن أشهر الأطباء الأغريق نذكر أبقراط وتيوفراستوس ويسقوريدس وجالينوس.

image-20200605145428-3

أبقراط طبيب يوناني (377 – 640 ق.م)

6- العرب: عرفت الشعوب التي عاشت في بلاد مابين النهرين العديد من النباتات الطبية وهذا ما تؤكده المخطوطات

Create new account

Download eMufeed Android Application Now

 

للاعلان